المحتوى الرئيسى

أردتها ثورة بيضاء وأريد طاقتها طاهرة باقية

02/08 09:19

فى صباح الثلاثاء 25 يناير 2011 وقبل أن يخرج شباب الثورة من بيوتهم ظهرت صحيفة «المصرى اليوم» تحمل فى الصفحة رقم 17 النداء رقم 20 الذى أوجهه إلى الرئيس لتبنى سياسات الإصلاح الشامل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. جاء عنوان النداء الأخير ذاك الصباح بعنوان «ثورة مبارك البيضاء المطلوبة.. الأهداف والنتائج». فى ذلك النداء جمعت بشكل مكثف كل المطالب التى سبق أن وجهتها من هذه الصفحة ومن عمودى الأسبوعى بالوفد منذ عام 2002 والتى لو طبق عشرها لتحولت جموع الفقراء إلى ميسورين فى كرامة، ولتحول ملايين الشباب العاطيلن إلى عاملين منتجين ولتحول المقهورون تحت سيف الاستبداد والقمع إلى أحرار وشركاء مبدعين، ولتوج المصريون جميعاً دون نقصان الرئيس على قلوبهم، للأسف كان ومازال هناك من يزين الطريق العكسى يصم الآذان عن سماع دعوات الإصلاح أو الثورة البيضاء ويزخرف أساليب الفساد والاستبداد ويفلسفها ويقنع الرئيس بأن غياب العدالة الاجتماعية هو طريق التقدم الرأسمالى، نتيجة لهذا تحول ندائى للثورة البيضاء إلى العكس تماماً فشهدنا رجال الشرطة يطلقون الرصاص الحى طبقاً للأوامر الصادرة لهم على أجساد زهور مصر الشابة ورأينا المصفحات تدهس الشباب وتكسر عظامهم، إن السؤال الكبير اليوم هو كيف يمكننا أن نحافظ على الطاقة التى أطلقها شباب مصر طاهرة من الاستغلال فى لعبة الباحثين عن أدوار والمتعطشين إلى القفز إلى مقاعد السلطة أو المتشبثين بها فلم يعد البكاء على اللبن المسكوب ينفع بعد أن وقعت الواقعة واصطبغت الثورة بدماء الشباب الأبرياء. يوم أكتب كلماتى فى خشوع أمام شهداء الحرية راجياً ألا تضيع تضحياتهم هباء وألا تتبدد الطاقة الإيجابية البناءة التى ولدوها فى حياة مصر، إننى أكتب وأمامى صور بعض الشبان الذين فقدوا حياتهم برصاص الشرطة وبرصاص البلطجية الذين اقتحموا ميدان التحرير فى همجية على الجمال والجياد تتويجاً للغباء الذى أدار حركة الحكومة تجاه الثوار. إن هؤلاء الشهداء سيبقون أبد الدهر شموعاً للحرية تضىء تاريخ مصر،  إن وجوههم البريئية وابتساماتهم الجميلة وعيونهم اللامعة بالأمل فى الصور التى نشرتها «المصرى اليوم» يوم الأحد الماضى تناشدنا جميعاً أن نستكمل الثورة وأهدافها فى تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة لشعب مصر وألا نسمح بقمع الثورة وشبابها أو إهدار أهدافها أو اختطافها، إننى أطالب مع مجدى الجلاد بإطلاق اسم ميدان الشهداء على الميدان الذى سقط فيه هؤلاء الشهداء وهم أحمد بسيونى وحسين طه وإسلام بكير وأحمد إيهاب وكريم بنونة وسيف الله مصطفى وسالى زهران ومصطفى الصاوى ومحمد محروس ومحمد عماد حسين ومحمد عبدالمنعم حسين،  إننى أدرك جيداً أن دماء هؤلاء الشهداء التى لامست أيدى وملابس زملائهم الذين حملوهم وهم يحاولون إسعافهم لها مفعول الوضوء الأبدى والتطهر المعنوى وأنها ستنجب لمصر قيادات عملاقة تنقلها من حياة راكدة ركيكة إلى مقدمة ركب التقدم والحضارة والديمقراطية العالمى، لقد طالبت فى مقالى المذكور صباح 25 يناير بالثورة بدون سفك دماء وقلت بالنص: «إننى أطالب الرئيس بقيادة ثورة بيضاء لا تقطع رقاباً بل تقوم اعوجاج الرؤوس والعقول ولا تبتر الأيادى بل تستعيد حقوق الشعب ممن تعدوا عليها بالنهب، ولا تسفك الدماء بل تطلق طاقات الإبداع بتوفير التعليم المصرى لكل أبناء مصر لتمكينهم من فرص العمل والرزق وبفتح الأبواب لتطبيق الأفكار الخلاقة القادرة على تطوير حياة المصريين وتحقيق معدلات تنمية مرتفعة وإنجاز ثورة إدارية تدير قدرات البشر المصريين العملاقة وترفع من كفاءة الثروة البشرية المصرية وتحسن استثمار رأسمال مصر البشرى لا أن تهدره فى بحار اليأس والبطالة والضياع الفكرى والمعنوى ومشاعر الظلم الاجتماعى المريرة، ثورة بيضاء لا تسمح لأصحاب النفوذ بالاستيلاء على ثروات البلاد الطبيعية والمالية،  وتترك الملايين يعيشون على الفتات المسمى بالدعم، ثورة لا تسمح بأن يحصل موظف فى مؤسسات مملوكة للشعب على راتب يتجاوز المليون جنيه شهرياً بينما يتقاضى الملايين من أبناء الطبقة الوسطى العاملة بالحكومة رواتب هزيلة لا تكفى لحياة شبه كريمة، ولا تمثل أجراً عادلاً عن أعمالهم مثل أساتذة الجامعات والصحفيين والأطباء والمهندسين والإداريين والمدرسين والمحامين وغيرهم ممن يمثلون العمود الفقرى لوظائف الدولة وأمنها القومى، ثورة تضع معيار الكفاءة فى الوظائف الحكومية أساساً للتعيين وليس معيار التبعية والمحسوبية والوساطة، ثورة بيضاء تحقق التقدم الحضارى لمصر لتلحق بماليزيا والهند والبرازيل وتركيا وغيرها من الدول التى كانت أقل منا تقدماً فأصبحت اليوم فى مقدمة موكب الحضارة العالمية بمعدلات نموها والارتقاء بأحوال شعوبها وبرفع مستويات الإنتاجية والدخول لدى أبنائها وبإتاحة مساحات واسعة من الحريات الديمقراطية والمشاركة السياسية لقواها الاجتماعية والأحزاب المعبرة عنها وبتمكين العلماء وأساتذة الجامعات من أدوات العمل التعليمى والبحث العلمى المتقدم ومستويات الحياة اللائقة بالتفرغ العلمى واللازمة له. إن مضامين وأهداف النداء الأخير الذى وجهته إلى الرئيس صباح الثلاثاء 25 يناير قبل اندلاع المظاهرات تبدو اليوم أقرب إلى التنفيذ إن الطاقة الإيجابية التى أطلقها الشباب بأفكارهم وهتافهم ودمائهم الزكية يمكن أن تدفع سفينة مصر لاعتلاء أمواج الحضارة والتنمية والديمقراطية لمدة ألف عام كاملة، إنها طاقة تفوق الطاقة النووية الكهربائية والشمسية، وأياً كان الشكل الذى سيتم به تحقيق مطالب الثورة الشبابية على المستوى السياسى وسواء بقى النظام السياسى أو تم تطعيمه بالعناصر الثورية من الشباب أو رحل فإن هذه الطاقة ستظل باقية فى أفئدة المصريين، المهم الآن، بالإضافة إلى الحوار الدائر بين نائب الرئيس والقوى السياسية والشبابية،  أن يشرع المختصون فى مصر فى وضع برامج إبحار السفينة المصرية نحو آفاق الحضارة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وأن يحضروا المصريين لاحترام الآخر وحقوقه ولتداول الحكم باعتباره مسؤولية وخدمة وطنية وليس باعتباره وسيلة للنهب والتربح واستغلال النفوذ إن ثورات عديدة قد انقلبت على نفسها وأهدافها وتحول من قطفوا ثمارها إلى لصوص وجلادين للشعوب، مثل الثورة الفرنسية التى ركبها نابليون الذى نصب نفسه إمبراطورا ومثل الثورة البلشفية فى روسيا التى نصب أصحابها أنفسهم جلادين للشعب. إننا مطالبون، نحن كل من لا نتطلع إلى أدوار ولم ولن نسعى إلى نفوذ نستغله ولم ولن نمس المال العام، ولم ولن نتربح من خدمة الوطن، ولم ولن نشارك فى قمع الشعب، بأن نفكر كيف نحمى طهارة الطاقة التى أطلقتها الثورة حتى لا يعتلى دفة السفينة محترفو الاستيلاء على السلطة والثروة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل