المحتوى الرئيسى

بيضة الدستور أم دجاجة المجلس. . هل هذه مشكلة؟

02/08 08:19

لم يستهلكنا شىء منذ 25يناير قدر ما استهلكنا النقاش حول الأولوية: بيضة الدستور أولاً أم دجاجة المجلس؟ منطق الحكم واضح فى طرح تعديل محدود للدستور يستوجب الإبقاء على مجلس الشعب لكى ينجزه. ومنطق الثورة واضح فى طلب دستور جديد لا يمكن أن يأتى صالحاً من ضلع مجلس أعوج. ولا أدرى ما المشكلة التى تحول دون تشكيل لجنة فقهاء لصياغة دستور جديد يسمى «الدستور المؤقت» ندخل به انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة وبعد ترتيب بنية الدولة يتخذ دورته القانونية لمناقشته وإقراره ليصبح دستور البلاد الدائم؟! من يضع دستوراً لا يعيد اختراع الماء الساخن؛ فالدساتير السليمة كثيرة، والمواد المعيبة فى دستورنا معروفة، ولا يحتاج الأمر من لجنة خبراء سوى سبعة أيام لا سبعين يوماً. الدساتير المعيبة وحدها هى التى تحتاج إلى زمن طويل لتفصيل الدستور على قياس شخص عبر الكثير من الالتفاف واللغو والثرثرة مثل المادة ستة وسبعين التى تتكون من 724 كلمة. ولنتفق أولاً على أن الهدف من الدستور والقانون هو وضع الحدود بين مصالح الأفراد والجماعات وتحقيق الشراكة العادلة فى الوطن. وأظن أن الخلاف بين السيدين عمر سليمان والفريق أحمد شفيق وبين قوى الثورة ليس خلافاً على المبدأ، بل هو خلاف على طبيعة المطلوب من المرحلة، ينبع من الخلاف على توصيف ما حدث خلال وزارتى عاطف عبيد وأحمد نظيف أى من أكتوبر 1999 إلى يناير 2011. الرجلان اللذان وضعا حياتهما فى خدمة هذا البلد يريدان إصلاح مؤسسات دولة خالطها الفساد، والشباب يريد إعادة مؤسسات دولة إلى الشعب بعد اختطافها بالكامل. ما حدث فى الإحدى عشرة سنة السوداء فى تاريخ مصر كان إهداء المؤسسات القابلة لنقل الملكية إلى رجال الأعمال، أما ما لا يمكن نقله مثل أقسام الشرطة والجامعات والصحف والتليفزيون ودواوين الوزارات وإداراتها فقد تم تمليكه لمديريه من خلال ما كان الرئيس مبارك يسميه «الاستقرار» وما كانت قوى الإصلاح تسميه «الجمود» والذى خلق الخلط بين الإدارة والملكية فى أذهان المديرين على مختلف مستوياتهم. حالة الإحساس بالملكية تلبست كل مسؤول فى موقعه، وتحولت الإدارة المصرية إلى مجموعة من العزب المتداخلة مثل الدمى الروسية الشهيرة، وكل عزبة صغيرة ترفع الخراج إلى صاحب العزبة الأكبر، وقد لخصت الاحتجاجات المطلبية الصغيرة فى السنوات الأخيرة هذه الحالة بصورة تلقائية، فكانت أكثر كلمة تتردد فى اللافتات هى كلمة العزبة وأحيانًا الوسية. وأظن أن اللواء عمر سليمان والفريق أحمد شفيق بحاجة إلى تأمل هذه المسافة بين رؤيتيهما من جهة ورؤية الشباب من الجهة الأخرى لردم الفاصل القائم فى لغة الحوار أولاً، وفى النظرة إلى التغيير ثانيًا. اللغة التى يستخدمها التليفزيون وحراس الفساد فى الصحف القومية لوصف ما يجرى فى مصر خلقت مناخًا كريهًا، من خلال تجاهل المطالب العامة لجموع شعب يأكل بأسعار باريس ويعمل برواتب الاتحاد السوفيتى. يعمد الإعلام إلى تصوير الأمر كأنه لعبة من مجموعة شباب يعتصمون فى ميدان التحرير مرة لأنهم قليلو الأدب ومرة لأن جهات أجنبية تحركهم. ومرة يحرضون عليهم الفئات الأفقر وعمال اليومية، هل كان هؤلاء الفقراء ينعمون بالغنى قبل الاعتصام؟ نعرف أن العزب الإعلامية جزء من لعبة الوسايا المتداخلة، وأن الفساد يحارب معركته الأخيرة من هذه الوسايا بعد سقوط وسية الأمن المركزى، ولكن هذه الحرب القذرة تضر بمناخ الحوار وتجعل الشباب يشعرون بأنه لا جديد تحت الشمس، وأن تصريحاً عفوياً مثل تصريح الفريق أحمد شفيق بأنه سيرسل لهم الإفطار مع البنبون يوميًا ينتمى إلى ذات الرؤية التى انتفضوا ضدها، رؤية صاحب العزبة الذى سيترك المحتجين «يتسلوا». للرجلين رصيدهما عند المصريين، والشعب يعرف أنهما بلا أطماع مادية كتلك التى فسقت ببنية الدولة المصرية وأفقدتها رشادها. وهذه الثقة أرضية جيدة للانتقال إلى لغة جديدة تعتبر ميدان التحرير مجرد رمز للأغلبية الفقيرة، وتتفهم الحاجة لإعادة روح الدستور والقانون قبل إعادة الدستور والقانون. وروح القانون تطلب دفن المجلس المزور الذى لا يمكن بأى منطق أن يضع دستوراً شرعياً.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل