المحتوى الرئيسى

الغضب والأمل

02/07 08:48

بدأت أكتب هذا ومازالت الساعة الثامنة والنصف مساء يوم الجمعة 28 يناير بتوقيت سياتل يوم غضبتم فى مصر وغضبنا معكم فى كل أنحاء العالم كمصريين وغير مصريين. وأكثر ما أغضبنا أنكم بعد أن كنتم معنا تبثون لنا أخباركم وصوركم وهتافاتكم.. فى لحظة «اختفيتم».  اختفى كل مصرى من على الإنترنت: من الشات ومن التويتر ومن الفيس بوك. فبدا هذا الأخير فى غاية الملل لنا فى الخارج ونحن بدون المصريين. وبعد أن مللنا غيابكم بدأنا فى القلق عليكم.  وتملكتنا رغبة فى التحدث باسمكم للأفراد ولوسائل الإعلام فى الخارج حتى يعرف الجميع أنكم قد «عُزلتم» عن العالم فى صورة عقاب جماعى بعد أن قطع عنكم الإنترنت، حتى إن موقع جريدة «المصرى اليوم» بدا كأنه مكان خاوى الطرقات: فلا تعليق واحداً على أى من الأخبار أو المقالات.. فكرة «الإخراس» بدت مجسمة للغاية. إنه نظراً لكون الأحداث تتعاقب سريعا ولا يمكن تحليل ما قد حدث أو استقراء ما سيأتى بما يستحق من دقة فسأطرح أفكارا قد تسقط وتتبخر وتصبح ليست ذات صلة فى خلال يومين، وهو موعد النشر. ولنبدأ رسالة كما وصلتنا فى الخارج: «25 يناير» هو يوم تَظاهَر فيه المصريون بجميع خلفياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية، من الجنسين وبمختلف الأعمار. كان تظاهرهم مدنياً، متحضراً، وهم متقدمون بمطالب سياسية واقتصادية محددة تتعلق بإنهاء قانون الطوارئ، وإيجاد حلول للبطالة ورفع للأجور. وجدنا أن الشرطة أيضا كانت تتعامل بتحضر.  سمعناكم تقولون «سلمية. سلمية. سلمية» لمن يبدى أى سوء تصرف أو أعمال شغب، فيهدأ هذا الشخص، يبتسم ابتسامة من تعلم شيئا جديدا فيعاود ويهتف بحب مصر وكذلك بمطالبه كمواطنٍ ذى حقوقٍ جاء ليعبر عنها من منطلق «استحقاق» وليس «استعطافاً». كان «تمرينا فى المواطنة». لكن بمرور الوقت وحتى انتصف الليل ومع صمت الرئيس وعدم إدلائه بأى تصريحات رسمية، وصلتنا صورتكم كمتوترين، قلقين، متسائلين: «ماذا؟» ألن يجيئنا ردٌ «يبرد نارنا» يؤكد لنا أننا ذوو حقوق سنأخذها، وأصحاب مظالم سترفع عنّا؟ مع الصمت الرسمى، بدأ صوت الشرطة يتصاعد. فمع مطالبة المتظاهرين باستجابة فى حينها وتوقعهم الرد السريع، كانت الدولة وعلى النقيض تتوقع أن ينصرف المتجمعون بعد أن «عبروا عن رأيهم» تماما فى صيغة: «فوتوا علينا بكرة»! لكن كثيراً من المتظاهرين فضلوا البقاء. وربما لو أن الخطاب الذى جاء به الرئيس، أخيرا ومتأخرا، كان قد جاء فى مساء يوم 25 ليعلن عن حل الحكومة، لكان من الممكن أن يكون «مقبولا» إلى حد ما. هذا أن الشعب كان سيشعر أن تظاهره السلمى لساعاتٍ أدى إلى «عزلٍ» ما، فسيشعر بممارسته لحقوقه المدنية كمواطن يستطيع أن «يحل ويربط» وليس أنه «لا شىء» تظاهره واعتراضه مثل عدمه. ولكن أيا من هذا لم يحدث. بل إن التجاهل والغرور كانا السمتان اللتين اتبعهما النظام. ولذلك بدأت الشرطة بعد انقضاء يوم 25 يناير فى تفرقة المتظاهرين بالعنف واستخدام القنابل المسيلة للدموع والطلقات المطاطية. وبالتعامل بالعنف بدأت الدولة تفصل بين قوى الشعب الملتحمة، فأفراد الطبقة المتوسطة والعليا الذين شاركوا فى اليوم الأول من المظاهرات كان المخطط لهم أن «يخوّفوا» و«يُبعدوا»، كى يعودوا إلى بيوتهم خائفين مترددين فى الاستمرار، كى «يٌستفرد» بأضعف طبقات المجتمع وأفقرها وأكثرها يأسا وحنقا. «فعُزل» هؤلاء فى شوارع القاهرة والمحافظات فى الساعات الأولى من يوم الأربعاء «26» ووجه كثيرٌ من العنف إليهم. وبالتالى- تعاطفا معهم- قرر جميع فئات المجتمع المصرى معاودة النزول ثانية يوم الجمعة «28». فى مقابل غضبهم، تصدت أجهزة الدولة وبعنف أكبر تجاه احتجاجات صارت الآن غير «مصرح بها» وخارج نطاق «سندريلا» التى ستتظاهر حتى منتصف ليل الخامس والعشرين فقط وبعدها تعود بيتها «وتوتة توتة خلصت الحدوتة». ومع إلقاء الخطاب الذى بات غيرعاكسٍ لمطالب المتظاهرين «المستجدة» والتى باتت تطالب باسقاط الرئيس نفسه، نتج مزيدٌ من الغضب. حتى إننى وقد صارت الساعة الثانية عشرة والنصف من صباح السبت 29، بدأت أشاهد صور الدبابات والجيش فى شوارع القاهرة بعد رفع حظر التجول وأتصورها بغداد. فجأة، أصابنى الحزن والخوف، فى حينها فعلت كمن ينظر إلى ألبوم صور قديم ليستحضر ذكريات. وحينما أعلنتم أنتم المصريون عن نيتكم فى «مسيرة المليون» يوم الثلاثاء 1 فبراير، فقد اهتزت لأخباركم صحافة العالم. لو تعلموا فقط تساندكم شعوب العالم. فصور المتظاهرين الساعين للمطالبة بحقوقهم فى الحياة «كمواطنين» ذوى إرادة وكرامة فى بلادهم أبهرت الجميع وحركت مشاعر إنسانية مشتركة ومع ثورة المصريين الوليدة تذكر العالم قصة انهيار الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا. فأكد المحلل «ديفيد أفريكا» «أن استمرار توحد الشعب فى جنوب أفريقيا على الاحتجاج كان العنصر الرئيسى الذى هزم الجهود التى بذلها نظام الفصل العنصرى على مواصلة الحكم».. الآن يود كل مواطنى العالم أن تتحقق قصة نجاح الشعب المصرى كى تلهمهم تحررهم أيضاً من شتى أشكال العبودية، تماما كما ألهمهم مانديلا. فهل يظل الشعب المصرى متماسكا مثابرا، حتى يخرج من هذه الثورة وقد وُلِد «مواطنا» حقيقيا لنفسه وللعالم أجمع؟! *زميل مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة واشنطن، سياتل [email protected]  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل