المحتوى الرئيسى

العدالة والمساواة

02/06 12:07

بعد صلاة الجمعة بدأت المظاهرة مباشرة، رحت أرمق الحشود المتدفقة محاولاً البحث عن رابط يجمع بينهم.. رجال فى منتصف العمر، نساء يرتدين الخمار، بنات فى مقتبل الشباب، كهول يرمقون أزمانهم المولية بحسرة، فقراء وأغنياء، نخبة وبسطاء، أطباء ومهندسون وأساتذة جامعة، بعضهم أعرفهم وأعرف يقينا أنهم ناجحون فى أعمالهم المهنية، وأنهم لم يخرجوا بسبب الفقر، وإنما لرغبتهم الأكيدة فى استعادة قيم العدالة والمساواة. الفارق المهول بين من يملك كل شىء ومن لا يملك أى شىء، التفاوت الرهيب بين من أضجره الترف، ومن لا يجد ثمن الرغيف. مازلت أذكر أيام طفولتى، صدقونى لم يكن الحال هكذا قبل الانفتاح.. لم يكن هناك ذلك الفارق المهول بين الفقراء والأغنياء، لم نكن قد عرفنا بعد غواية السلع الاستهلاكية، وسرابا يحسبه الظمآن ماء. كنا معشر الأطفال نلعب مع بعضنا، ولم نكن نلاحظ فروقاً واضحة بين أبناء الفقراء والأغنياء. كانت السلع قليلة، بسيطة، غير مبهرجة، البنبون الواحد يفعم صباحنا بالفرحة، ومذاق الشيكولاته يدوم نهاراً كاملاً، البهجة التى تخلقها الندرة، كنا بسطاء، كنا قنوعين، كنا سعداء. لم يكن الفقر عائقا طالما نتلقى تعليماً جيداً، والفرص مفتوحة حسب اجتهادنا فى الحياة، لكن تغير كل شىء منذ رحلت العدالة وولّت المساواة. قالوا إنهم لا يستطيعون رفع الحد الأدنى للأجور! قالوا إن ميزانية البلد لا تحتمل رفع رواتب البسطاء، قالوا من أين نحصل على الموارد الكافية.. وفى نفس الوقت الذى كان فيه المطحونون يتظاهرون بصفة شبه يومية لرفع رواتبهم الهزيلة بضع جنيهات، فإنهم وجدوا الموارد الكافية لدفع رواتب مليونية هى فى الحقيقة مكافآت لأعوان النظام!. وفيما كان لا يستطيع الإنسان العادى الحصول على قرض قيمته ألف جنيه، كانوا يستبيحون القروض بآلاف الملايين، يستنزفونها من البنوك بكل سهولة ثم يهربونها إلى الخارج. المستفز أن هذه المليارات التى ينفقونها فى سفه هى نقودنا، أموال الشعب، فتات البسطاء. وفى الوقت الذى اصطلحت فيه المجتمعات المتقدمة على تقليص الفارق بين أدنى أجر وأعلى أجر، كان الفارق مهولاً بين أبناء المهنة الواحدة حسب الخدمات التى يقدمونها للنظام!. بأى حق يتقاضى مدير الأمن راتبا بالملايين فيما لا يحصل الضابط الشقيان إلا على ألف جنيه!؟. بأى حق تصل رواتب رؤساء المؤسسات الصحفية إلى مئات الآلاف فيما يحصل الصحفى الشريف على بضع مئات؟!. بأى حق يحصل الأستاذ الجامعى بعد أربعين عاما من الخدمة على ثلاثة آلاف جنيه، فيما يحصل رئيس الجامعة، الذى اختاروه بناء على الولاء، على مائة ألف جنيه!؟. ولماذا يحصل مستثمر على آلاف الأفدنة بأثمان بخسة، فيما لا يستطيع المواطن العادى الحصول على بضعة أمتار!. فلتكن هذه هى قضيتنا الأولى: تقليص الفوارق الكبيرة بين طبقات المجتمع، توفير الفرص المتكافئة، وإعادة توزيع الدخل القومى، واستعادة قيم العدالة والمساواة. [email protected]

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل