المحتوى الرئيسى

جزيرة الاستبداد تباشر الانتقال للديمقراطية بقلم:جورج كتن

02/06 17:01

جورج كتن – شباط 2011 جزيرة الاستبداد العربية في بحر العالم الديمقراطي لم تعد استثناءً، فالانتفاضات تقتحمها وتعمل لإعادة إدراجها في المسيرة الإنسانية بعد أن عاكستها طويلاًً، فقد ثبت بعد انتفاضة تونس ومصر أن بلدان المنطقة ليست عصية على التغيير، وأن الانتقال للديمقراطية لم يعد أمنيات لنخب مثقفة بل مطلب شعبي عارم. المفاجأة ليس في حدوث الانتفاضة بل في حدوثها الآن مما تجاوز كل التوقعات التي راوحت بين المدى المتوسط والبعيد. الأنظمة الديكتاتورية أعاقت الديمقراطية طويلاً ولكنها لن تستطيع ذلك بعد الآن. شعوب المنطقة لم تعد امام مفترق طرق، فقد عرفت طريقها الذي يبدأ بالديمقراطية وإزالة الحكام المستبدين والفاسدين للتمهيد لتنمية مستدامة لصالح جميع قطاعات الشعب. لقد ثبت أن الانتفاضة، التي شبهت بسقوط جدار برلين، تنتقل بالعدوى خاصة إذا كانت الاوضاع مهيأة في الجوار لاستقبالها، وإذا روعيت خصوصيات كل بلد، فالتقليد الاعمى سيقود لكوارث. القوة الجديدة التي أظهرتها انتفاضتي تونس ومصر هي الشباب المبادرين للتحرك العفوي دون إيعاز أو وصاية من الاحزاب "المنظمة" التي فشلت في إسقاط النظام رغم محاولاتها وتضحياتها منذ عقود. عندما انتفض الشباب صار الزمن يحسب بالايام بدل العقود. لم يحدث هذا صدفة فالاحزاب ما زالت معظمها يرزح تحت وطاة الأيديولوجيا الإسلامية والقومية واليسارية..، فيما الشباب امتلكوا القدرة على التعبير عن هموم ومطالب متناسبة مع العصر، باستخدام "الاسلحة" الحديثة لثورة الاتصالات، فالمعلوماتية كان لها دور كبير في الانتفاضتين. و"الافتراضي" على صفحات الانترنت تحول نوعياً ل"واقعي" في الشارع بعد تراكمات عددية "إفتراضية". الشعب أتى للديمقراطية من خلال وعيه أن تحسين أوضاعه المعيشية يرتبط بالانتقال إليها أو توسيعها. كما ثبت بالملموس بعد تجارب دول المعسكر الشرقي السابق، فشل إحداث تنمية اقتصادية دون ديمقراطية، إذ حتى في الصين- الجزيرة الأكبر للاستبداد في العالم- حيث أعلى معدلات نمو اقتصادية، انتفض الشباب في ساحة تيان آن مين للمطالبة بالديمقراطية. لم تحتج الانتفاضة لشعارات التخوين "الوطني" لوصف النظام الاستبدادي، فأصوات قليلة صدرت عن الأحزاب الايديولوجية الملتحقة بالانتفاضة أبرزت علاقة النظام بالغرب، فيما الكتلة الرئيسية للانتفاضة ركزت بشكل اساسي على رفض الاستبداد والفساد ورفعت شعارات توفير الحريات وفرص العمل وتحسين الاوضاع المعيشية وتحديث المجتمع ..، "تونس أولاً" و"مصر أولاً" دون حاجة للتأكيد على هويات عروبية أو إسلامية... الانتفاضة في تونس ومصر رفضت معادلة إما القمع وإما الإسلاميين، فقد اوضح الشباب رغبتهم في إسقاط الديكتاتورية بمرجعية دنيوية كما رفضوا استبدالها باستبداد ذو مرجعية دينية، على نهج انتفاضة الشباب والنساء في إيران ضد الاستبداد الديني إثر الانتخابات المزورة الاخيرة. وشاركت المرأة في الانتفاضتين على امل أن الوضع الجديد سيعزز دورها ومساواتها بالرجل في كافة النواحي، إذ لا يمكن العودة عن الإصلاحات البورقيبية خاصة، بل العمل لتوسيعها. لم يعد نجاح الإسلام السياسي في أية انتخابات قادمة أمراً ممكناً كما حدث في جزائر الثمانينيات أو فلسطين قبل سنتين، لم يعد الإسلام السياسي قادراً على استعمال الديمقراطية لمرة واحدة، ليعلن بعد فوزه أن"الديمقراطية انتهت الآن"! - بلحاج-، فالمد الإسلامي يتراجع ليصبح وصوله للسلطة بالانتخابات طريقاً غير مضمون بعد تراجع الإسلاميين في انتخابات الكويت والأردن وغيرها.. وتوضح استبداد حماس في غزة إثر انقلابها على الديمقراطية الفلسطينية. التكيف مع الانتفاضة هو برنامج الإسلام السياسي حالياً، ففي مصر استنكف الإخوان عن رفع شعارهم المعهود "الإسلام هو الحل"، وفي تونس صرح قادة حزب النهضة أنهم متدينون لكنهم ليسوا ضد الحداثة، وأنهم أكثر ليبرالية من حزب العدالة والتنمية التركي وهو حزب إسلامي قبل بالعلمانية وحكم من خلالها. وإذا كان الحكم العلماني غير الملازم للديمقراطية قد فشل في تونس، فإن الديمقراطية غير الملازمة للعلمانية فشلت في إيران، والنجاح عادة يتأتى من تلازمهما وليس تفارقهما. الديمقراطية كانت ممكنة في تركيا لأن أساسها علماني، والديمقراطية الآن ممكنة في تونس لأن أساسها علماني. وإذا كانت أحد المخاطرعلى الانتفاضتين خطفها من قبل الإسلاميين فإن الجيش أصبح خطراً بعيداً. الانتفاضات الراهنة وسابقاتها كالانتفاضة الإيرانية ضد الشاه وانتفاضة الأرز اللبنانية ضد الوجود السوري، آذنت بأفول عهد الانقلابات العسكرية التي أعاقت تقدم بلدان عربية طويلاً. الجيش حسم أمره لجانب الانتفاضة في تونس، أما في مصر فما زال مترددا بين الطرفين، ويخشى إن تحول لقمع الانتفاضة أن ينهار كما حدث للأمن المركزي المصري. يمكن لقطاعات واسعة من النظام أن تنتقل لصفوف الشعب، وهذا يتوجب قبوله، وليس السعي للثأر والانتقام، لمصلحة نجاح الانتفاضة بأقل الأكلاف. بعد تونس ومصر انتقلت الانتفاضة للأردن واليمن والسودان أي لبلدان تمارس فيها "ديمقراطية" موجهة، لكن ليس بعد لبلدان يحكمها الحزب الواحد مثل سوريا أو لديكتاتوريات ملكية محافظة كالسعودية. الانظمة العربية لم تعد تستطيع التدخل لدعم من أتى عليه الدور من الحكام، فقد انشغل كل حاكم بحماية نظامه. وحتى لو صرح القذافي بوقوفه ضد إرادة الشعب التونسي لكنه لن يجرؤ على القيام بأي عمل لدعم النظام القديم، فالعالم لن يسمح له بذلك. فرضت الانتفاضة طريقتها الخاصة للتخلص من الديكتاتوريين دون عنف أو تدخل خارجي، ودفعت الأنظمة والمعارضات والقوى الخارجية لإعادة حساباتها. الدول الغربية تلقت الدرس مجدداً: الاستقرار في المنطقة تؤمنه أنظمة ديمقراطية تحظى بتأييد أغلبية شعبية، في ظلها علاقة الغرب مع دول المنطقة تبنى على المصالح المتبادلة. يمكن قبول علاقات الغرب مع الانظمة الديكتاتورية كأمر واقع لا مفر منه، لكن إذا انتفض الشعب فالغرب مطالب بدعم تطلعاته للديمقراطية. لا بد من توازن مدروس للسياسة الغربية تجاه طرفي الصراع يختلف من مرحلة لأخرى في المراحل الثلاث : ما قبل الانتفاضة وأثناءها وما بعدها.. أفضل نصيحة للأنظمة التي لم يطالها "البل" بعد في اوقاتها العصيبة الراهنة، أن تلاقي الشعب قبل أن ينتفض بتوسيع الحريات واحترام حقوق الإنسان وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية ودستورية شاملة تضمن الحريات وتداول السلطة ورقابة شعبية على عملها وقضاء مستقل ومحاربة للفساد وتحسين الاوضاع المعيشية للناس وكف يد الاجهزة الامنية عن التدخل في الحياة السياسية.... شبح الانتفاضة يحوم فوق رؤوس الحكام العرب، فدورهم آت لا مفر. هل يتعظوا بتونس ومصر، أم يركبوا رؤوسهم ويعاندوا العواصف المقبلة؟؟ * كاتب من سوريا

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل