أسباب نزول سورة الفاتحة وأسرارها وفضائلها

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة شرعها الله عزّ وجل لعباده في كل ركعة من كل صلاة
فيقرأها المسلم سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة على الحد الأدنى،وأكثر من ضعف ذلك إذا هو صلى السنن
وإلى غير حد إذا هو رغب في أن يقف بين يدي ربه متنفلاً، غير الفرائض والسنن.
ولا تقوم صلاة بغير هذه السورة، فما السر وراء سورة الفاتحة، وما فضلها، وما هي مقاصدها؟
نجيب على هذه الأسئلة وغيرها في السطور التالية.

سورة الفاتحة


سورة الفاتحة هي أول سور القرآن ترتيباً لا تنزيلاً. وهي سورة مكية
كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروي عن عطاء بن يسار وغيره أنها مدنية
ورُوي أنها نزلت مرة بمكة حين فُرضت الصلاة، وبالمدينة أخرى حين حُوِّلت القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام.
عدد آياتها سبع مع البسلمة، وهي أول سور ترتيباً في القرآن الكريم
وموقعها في الجزء الأول، من الحزب الأول، في الربع الأول
وقد نزلت بعد سورة المدثر، وتبدأ بالحمد والثناء، ولم يذكر لفظ الجلالة الله إلا مرة واحدة في الآية الأولى.

أسماء سورة الفاتحة

أورد العلماء والمفسرون للفاتحة أسماءً كثيرة لُوحظ في كل اسم منها معنى مِن معانيها، وفائدة من فوائدها
نذكر هنا بعض الأسماء، ومنها:
1- الصلاة
للحديث القدسي: قال الله تعالى: “قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد: الحمد الله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي….” رواه مسلم.
2- الحمد
 وذلك لذكر الحمد فيها.
3- فاتحة الكتاب
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “هي أمُّ القرآن، وهي فاتحة الكتاب
وهي السَّبع المثاني”.
وإنما سمِّيَت فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بكتابتها في المصاحف، فهي فواتح لما يَتلوها من سور القرآن في الكتاب
والقراءة، والتعليم، والصلاة.
وقيل: لأنها أول سُورة نزلت، وقيل: لأنها أول سورة كُتبَت في اللوح المحفوظ.

4- أم الكتاب وأم القرآن

وجوز هذا الاسم الجمهور، إلا أن ابن سيرين كره أن تسمَّى أم الكتاب، وكره الحسنُ أن تسمَّى أم القرآن
ووافقهما بقيُّ بنُ مخلد؛ لأن أمَّ الكتاب هو اللوح المحفوظ، قال تعالى:
(وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) وقال: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ).
قال السيوطي بعد ذلك: وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة تسميتُها بذلك؛ فأخرج الدارقطني
وصحَّحه مِن حديث أبى هريرة مرفوعًا:
(إذا قرأتم الحمدَ، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، فإنها أم الكتاب وأم القرآن
والسبع المثاني، بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها)

5- السبع المثاني
روى الإمام أحمد، عن أبى هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“هي أمُّ القرآن، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم” وسمِّيَت بذلك لاشتمالها على المعاني التي في القرآن.
أما تسميتُها سبعًا، فلأنها سبع آيات، وقيل: فيها سبعة آداب في آية أدب، وفيه بُعد.

6- القرآن العظيم
وذلك لما رواه الإمام أحمد، عن أبى هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “هي أمُّ القرآن، وهي السبع المثاني
وهي القرآن العظيم”

7- الشافية
لأن اللديغ شفي بها عندما رقاه أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد.

8- الكافية.
لأنها تكْفي في الصلاة عن غيرها، ولا يكْفي عنها غيرُها.

سبب نزول سورة الفاتحة

يعود سبب نزول سورة الفاتحة إلى ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه
ففي حادثة وقعت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وورقة بن نوفل
فيقول فيها أبو ميسرة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع منادياً يناديه: يا محمد
فإذا سمع الصوت انطلق هارباً
فقال له ورقة بن نوفل : إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك، قال : فلما برز سمع النداء: يا محمد
فقال :لبيك، قال: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله
ثم قال: قل: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين حتى فرغ من فاتحة الكتاب.

سورة الفاتحة

مكانة سورة الفاتحة بين السور

  • أنها أعظم سورة في القرآن العظيم
    ودليل ذلك ما رواه البخاري وأحمد وأبو داود وغيرهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي سعيد بن المعلي
    رضي الله عنه: “لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد
     فقال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته”.
  •  قراءتها ركن من أركان الصلاة بخلاف غيرها من السورة
    لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب”.
  • سورة الفاتحة أول سورة افتتح بها المصحف الشريف، ولذا سميت بفاتحة الكتاب.
  •  لم ينزل في التوراة ولا الإنجيل سورة مثل سورة الفاتحة ولا أعظم منها
    لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ما أنزل الله عز وجل في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن”.
     رواه النسائيوالترمذي وأحمد

الدروس المستفادة من سورة الفاتحة

  • الثناء على الله تعالى بما هو أهله وتمجيده وتعظيمه
    وهذا يؤخذ من قوله الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
  • إثبات سلطان الله تعالى على جميع المخلوقات في الأرض والسموات
    وأنه المربي لهم والمتصرف في أمرهم والمالك لنواصيهم
    وهذا يؤخذ من قوله تعالى: (رَبِّ الْعَالَمِينَ).
  • اتصاف الله تعالى بصفة الرحمة وأنه الرحمن الموصولة رحمته لعباده
    وهذا يؤخذ من قول الله تعالى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
  • إفراد الله تعالى بالعبادة والاستعانة
    وهذا يؤخذ من قول الله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
     أي نعبدك ولا نعبد سواك، ونستعين بك ولا نستعين بسواك.

ما تضمنته سورة الفاتحة

حوت سورة الفاتحة معاني القرآن العظيم، واشتملت على مقاصده الأساسية
فهي تتناول أصول الدين وفروعه، العقيدة، والعبادة، والتشريع، والاعتقاد باليوم الآخر، والإيمان بصفات الله الحسنى، وإفراده بالعبادة، والاستعانة، والدعاء والتوجه إليه سبحانه بطلب الهداية إلى الدين الحق والصراط المستقيم، والتضرع إليه بالتثبيت على الإيمان
ونهج سبيل الصالحين، وتجنب طريق المغضوب عليهم والضالين
وفيها الإخبار عن قصص الأمم السابقين، والاطلاع على معارج السعداء، ومنازل الأشقياء، وفيها التعبد بأمر الله سبحانه ونهيه.

وذكر ابن القيم في كتابخ ” (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين”
أن سورة الفاتحة بُنيت على الإلهية والربوبية، والرحمة.
والحمد يتضمن الأمور الثلاثة، فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته.
كما تضمنت السورة إثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم، وتفرد الرب سبحانه بالحكم إذ ذاك بين الخلائق، وكون حُكْمُه بالعدل.
وتضمنت إثبات النبوات. وتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة؛ توحيد العلم والاعتقاد، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية.

مقاصد سورة الفاتحة

ذكر ابن القيم في مقدمة كتابه “مدارج السالكين” أن هذه السورة اشتملت على الرد على جميع طوائف أهل البدع والضلال
كما بينت منازل السائرين، ومقامات العارفين
وبيان أنه لا يقوم غير هذه السورة مقامها، ولا يسد مسدها؛ ولذلك لم ينزل في التوراة، ولا في الإنجيل مثلها.
ومن مقاصد هذه السورة:

  • توحيد الأسماء والصفات، وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى، التي أثبتها لنفسه
    وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل، ولا تمثيل، ولا تشبيه
    وقد دل على ذلك لفظ {الحمد}.
  • إثبات الجزاء على الأعمال في قوله: (مالك يوم الدين)
    وأن الجزاء يكون بالعدل؛ لأن {الدين} معناه الجزاء بالعدل.
  • تضمنت إخلاص الدين لله تعالى، عبادة واستعانة في قوله: (إياك نعبد وإياك نستعين).
  • تضمنت إثبات النبوة في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم)؛ لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة.
  • تضمنت إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة، خلافا للقدرية والجبرية.
    بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع والضلال في قوله:
    (اهدنا الصراط المستقيم)؛ لأنه معرفة الحق والعمل به.

فضل سورة الفاتحة

ورد في فضل سورة الفاتحة بعض الأحاديث، منها:

  • عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
    “قُسّمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل
    فإذا قال العبد
    : الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي
    وإذا قال 
    : الرحمن الرحيم قال الله تعالى: أثنى علي عبدي
    وإذا قال
    : مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي
    فإذا قال
    : إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل،
    فإذا قال
    : اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
    قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل”.
  • روى البخاري عن سعيد بن المعلى، قوله صلى الله عليه وسلم:
    “لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد”
    ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج، قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن.؟
    قال:الحمد لله رب العالمين” هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته”.
  • عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال:
    كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مسير له فنزل، ونزل رجل من أصحابه إلى جانبه
    فالتفت إليه فقال: “ألا أخبرك بأفضل القرآن؟”، فتلا عليه: “الحمد لله رب العالمين “
  • روى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:
    (بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه
    فقال: هذا باب من السماء فُتح اليوم، ولم يُفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك
    فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، ولم ينزل قط إلا اليوم، فسلم،
    وقال: أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب
    وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته).
  • عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال:
    قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أوتي موسى – عليه السلام – الألواح، وأوتيت المثاني”

أسرار سورة الفاتحة

سورة الفاتحة، فاتحة القرآن الكريم، من أعظم سور كتاب الله عزّ وجلّ
حيث ورد في ذكر فضلها الكثير من الأحاديث النبويّة الصّحيحة، التي تُشير إلى فضائلها وأثرها في شفاء الأمراض
وقد استخدمها الصّحابة رضوان الله عليهم للرّقية والاسترقاء
ومن الأحاديث التي جاءت في ذكر فضل سورة الفاتحة ما رُوِي عَن أبي سعيد بن المعلَّى رضي اللَّه عنه، قَال:
(كُنْتُ أُصَلِّي فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ حَتَّى صلّيت،
قال: فأتيته، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي،
قَالَ: ألم يقل الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)؟
ثُمَّ قَالَ: لَأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ،
قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لأعلمنَّك أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ،
قَالَ: نَعَمْ (الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ)

سورة الفاتحة مكتوبة

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ*الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)

سورة الفاتحة

مواضيع قد تعجبك

1 Comment

Comments are closed.